مقاييس النزعة المركزية والتشتت في نظم المعلومات الجغرافية GIS
مفاهيم في الإحصاء المكاني
يختلف الإحصاء المكاني عن سائر الإحصاء في أن القيم في الأول تكون مقرونة بالمكان ، أي بإحداثيات ، وهذه الخاصة تجعل من حساب قيم النزعة المركزية والتشتت مسألة أصعب بالمقارنة بنظائرها في الإحصاء غير المكاني .
لمقاييس النزعة المركزية تطبيقات جغرافية مهمة :-
- قد يؤخذ المركز المساحي للدولة مؤشرا عند الحكم على حُسن اختيار موقع العاصمة ، قد يؤخذ المركز المساحي للمحافظة عند الحكم على موقع حاضرتها .
- قد يؤخذ المركز السكاني بدلا من ذلك ، لأنه يعني أنه للوصول إلى الخدمة في العاصمة أو الحاضرة الإدارية ستكون المسافات التي سيقطعها مجموع السكان أقل ما يمكن .
- تحليل أنواع من الجرائم التي يتغير مركز ثقلها بين الليل والنهار ، بهدف إعادة توزيع قوات الشرطة .
- دراسة تغير مركز مجال انتشار الحيوانات بين الصيف والشتاء ، مثلا في الحظائر المفتوحة للسياحة ، بهدف إرشاد السائحين.
- تحديد مركز منطقة النشاط الزلزالي لتركيز معدات الإنقاذ الثقيلة فيه ، كيلا يتطلب الأمر وقتا طويلا لنقلها عند الحاجة.
- تحديد المركز السكاني لمن تزيد أعمارهم على 60 سنة ، لاختيار أفضل مكان لإنشاء دور المسنين .
- تحرك المركز يدل على اتجاهات التعمير ، وهو ظاهرة ترتبط بأولويات التنمية .
في برامج نظم المعلومات الجغرافية يمكن حساب الوسط والوسيط كمقياسين للنقطة المركزية بين مجموعة من النقاط مرسومة في شيب فايل من نوع نقطة ، فإذا كانت القيم تمثل خطوطا أو مساحات ( مضلعات ) فإن البرنامج يحسب مراكزها المساحية centroids أولا ، ثم يضع القيم فيها . لاحظ أن هذه الحسابات تقتضي أن تكون نظم الإحداثيات للشيب فايل من نوع نظم الإحداثيات الـمُسقطة projected ، لأن ذلك أدعى إلى دقة الحساب . وينتج عن تنفيذ أدوات حساب الوسط أوالوسيط شيب فايل من نوع نقطة فيه نقطة تمثل المركز.
![]() |
المدخلات والمخرجات لتحديد المركز المعبر عن الوسط أو الوسيط |
قبل ابتكار نظم المعلومات الجغرافية كان المركز المعبر عن الوسط mean center يحسب بطرق مملة ، ويعرف هذا المركز بأنه متوسط الإحداثي السيني عند تقاطعه مع متوسط الإحداثي الصادي لكل النقاط محل الدراسة ، كما يبين المثال في الجدول التالي :في الجانب الأيمن من الجدول افترُض أن كل النقاط متساوية في الأهمية أو الوزن ، مثلا تمثل كل نقطة مكان وقوع جريمة أو مكان وجود حالة مرضية ، فإذا اختلفت النقاط في أوزانها ، كأن تكون النقاط معبرة عن مراكز عمرانية تختلف حجمها السكاني ، فينبغي مراعاة ذلك بإضافة عمود يمثل الوزن ( أي عدد السكان هنا ، أو نسبتهم إلى مجموع السكان ) ، ثم حساب المركز المعبر عن الوسط المرجح weighted mean center .
في الجدول السابق استخدم البعد عن المحورين السيني والصادي كنوع من الإحداثيات ، وفي الجزء الأيمن من الجدول حُسب المركز المعبر عن الوسط دون ترجيح ، أي بافتراض أن مراكز العمران متساوية في أهميتها أو متساوية في حجمها السكاني . وفي الجزء الأيسر من الجدول حُسب المركز مرجحا بالحجم السكاني ، ولم تختلف النتيجة كثيرا في الحالين لأن الأحجام السكانية متقاربة.
وما رأيناه في الجدول والشكل هو بعينه ما تنفذه برامج نظم المعلومات الجغرافية ، وإن كنا لا نرى إلا المدخلات والمخرجات ، ونستطيع التحكم في الأخيرة من خلال خيار الترجيح أو عدم الترجيح.
لحساب المركزMean في برنامج ARC GIS
لحساب المركز في برنامج الأرك تستخدم مجموعة الأدوات المسماة أدوات قياس التوزيعات الجغرافية Measuring Geographic Distributions toolset ، وهي جزء من صندوق أدوات الإحصاء المكاني Spatial statistics toolbox . ويجب الحذر من وجود قيم null لأن الشيب فايل لا يستطيع تخزين هذا النوع من القيم ، فلذلك إذا أنشئ شيب فايل من مدخلات ليست شيب فايل ( من برنامج إكسل مثلا ) فإن القيم null قد تتحول إلى صفر . وفي بعض الأحوال تتحول ال nulls إلى قيم سالبة كبيرة تفسد الحسابات.
يحوى صندوق أدوات الإحصاء المكاني أدوات أخرى لتحليل التوزيعات المكانية والأنماط والعمليات والعلاقات . وهناك أوجه شبه كبيرة بين الإحصائيات غير المكانية والإحصائيات المكانية ، لكن الأخيرة تتضمن جوانب لا تتضمنها الأولى مثل : القرب proximity والمساحة area والاتصالية connectivity . وتسمح أدوات هذا الصندوق بتحديد خصائص أخرى للتوزيع مثل الاتجاه العام trend ، أو التعرف على المجموعات المكانية spatial clusters ، أو القيم الشاذة مكانيا spatial outliers ، وتقييم مدى التشتت أو التجمع ، وتحديد المقياس المناسب للتحليل واستكشاف العلاقات المكانية . وفي حال الأدوات المبرمجة بلغة البايثون يستطيع مستخدم البرنامج الدخول إلى البرنامج والتعديل فيه بما يلبي احتياجاته .
من المهم أن نلاحظ أن الأدوات في هذا الصندوق لا تستطيع التعامل مع الطبقات من نوع XY Event ، وهي الطبقات التي ينشئها البرنامج انطلاقا من جدول به الإحداثي السيني والصادي للمكان ، وفي هذه الحال يلزمنا تحويل طبقة ال XY Event إلى شيب فايل.
بعد تحديد مركز التوزيع يثور السؤال حول التشتت ، أي ماذا عن التوزيع نفسه ؟ هل هو توزيع متجمع أم مشتت أم عشوائي ؟ ويمكن الإجابة على هذا السؤال باستخدام أساليب إحصائية أخرى . لكننا نحتاج أولا إلى تعريف النمط المكاني spatial pattern ، فالنمط هو الذي يصف كيف تترتب الأشياء على وجه الأرض ، فدراسة النمط العمراني مثلا قد تصف توزيع مراكز العمران بأنه توزيع متجمع أو مشتت أو خطي يتبع نهرا مثلا . وهذا النمط مفهوم نظري قد لا نحتاجه في التطبيقات العملية ، خلافا لما اعتدناه في تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية ، لكن التعرف على الأنماط مهم جدا في بناء النظريات في الجغرافيا ، والتي بدورها تخدم التطبيقات.
ينص قانون الجغرافيا الأول – بحسب والدو توبلر – Tobler’s First Law of Geography على : " ترتبط الأشياء بعضها ببعض ، لكن الأشياء الأقرب بعضها إلى بعض هي الأكثر ارتباطا مقارنة بالأشياء الأبعد " ، ولتوبلر قانون ثان للجغرافيا في الموضوع نفسه ، لكنه لم يقدر له الذيوع .
للحكم على النمط المكاني تستخدم مجموعة أدوات تحليل الأنماط Analyzing Patterns toolset ووظيفتها تقرير ما إذا كانت البيانات تشكل نمطا مكانيا متجمعا أو مشتتا أو عشوائيا ، وهي تشمل أدوات لحساب الارتباط الذاتي المكاني spatial autocorrelation ، والتحليل العنقودي spatial cluster analysis ، وغير ذلك ، وكلها تؤدي الوظائف نفسها تقريبا ، ويكفي أن نعرف منها أداة متوسط الجار الأقرب Average Nearest Neighbor .
طريقة الجار الأقرب Nearest Neighbor :-
استخدم الجغرافيون منذ زمن بعيد طريقة الجار الأقرب لحساب مدى تشتت التوزيع ، رغم أن فيها عيوبا خطيرة تؤثر في تفسير النتائج . والفكرة ببساطة قياس المسافة على خط مستقيم بين نقطة على الخريطة (تمثل قرية مثلا ) وأقرب نقطة ( قرية ) إليها ، ثم مقارنة هذه المسافة مع "المسافة المتوقعة " لو كانت كل النقاط ( القرى ) موزعة بشكل عشوائي على مساحة المنطقة المدروسة . هذا عن الفكرة ، أما تطبيقها حسابيا فهو على النحو التالي :-
حساب المسافة بين كل نقطة وأقرب نقطة ( جار ) منها ، ولو كان الشكل مضلعا تؤخذ المسافات بين مراكز المضلعات centroids ، ولو كانت الأشكال خطوطا تؤخذ مراكزها الهندسية.
تتراوح هذه القيمة بين صفر و 2,15 . وتعني القيمة صفر أن كل النقاط متجمعة معا في مكان واحد ، أما القيمة 2,15 فتعني أن كل النقاط أبعد ما يكون بعضها عن بعض مكونة توزيعا منتظما تماما (مشتتا) تقع كل نقطة فيه عند رأس مثلث متساوي الأضلاع ، وتعني القيمة 1 أن التوزيع عشوائي ، ويبين الشكل التالي هذه الحالات الثلاث.
من العيوب التي مازالت قائمة في برامج نظم المعلومات الجغرافية أنه عندما تكون المدخلات في أداة الجار الأقرب نقاطا فإن أول ما يقوم به البرنامج أن يحيط هذه النقاط بحدود على شكل أقل مستطيل يمكنه تطويق هذه النقاط لكي يتسنى للبرنامج حساب المساحة ، وفي ذلك تقليل من المساحة الحقيقية .
كيف أدى اختلاف اختيار الحدود لتوزيع واحد إلى جعل التوزيع مشتتا ( يمين الشكل ) أو متجمعا ( يسار ) ، فلو لم تتوافر للبرنامج حدود منطقة الدراسة للتوزيع الموضح على اليسار فإن البرنامج سيضيّقها بالكيفية التي تظهر على اليمين . لاحظ أنه فى هذه البرامج لا يشترط في أضلاع مثال على عدم دقة برامج نظم المعلومات الجغرافية عند حساب الجار الأقرب المستطيل أن تكون موازية لمحوري السينات والصادات .
في محاولة لتجاوز هذا العيب تتيح البرامج عدم توليد المستطيل ، وبدلا من ذلك نعطي البرنامج قيمة المساحة ( المعلمة area ) ، وفي برنامج الأرك ستقرأ هذه القيمة بالمتر لو كانت الإحداثيات جغرافية. وهناك حالتان لا يمكن أن يتولد عنهما مستطيل من الناحية النظرية : (1) أن تكون كل النقاط لها الإحداثي نفسه ، (2) أن تكون كل النقاط واقعة على خط مستقيم . وقد تغلب برنامج الأرك على هذه المشكلة بتوليد مستطيلات صغيرة ، لكن اختيار قيمة للمعلمة area في نافذة البرنامج يحل المشكلة تلقائيا.
وتتيح أداة متوسط الجار الأقرب اختيار طريقة قياس المسافات : فإما أن نختار : (1) إقليدية ، وهذا يعني أن المسافة هي طول الخط المستقيم بين النقطتين ، أو (2) مانهاتن ، وفيها تقاس المسافة على محورين متعامدين ، بمعنى أنها تساوى الفرق بين الإحداثيين السينيين للنقطتين + الفرق بين الإحداثيين الصاديين لهما.
تتمثل مخرجات أداة متوسط الجار الأقرب في توليد تقرير يتضمن ملخصا بيانيا في ملف .html ، أو رسالة مختصرة قد يكتفي المستخدم بها . وهذا هو كل ما يمكن الحصول عليه من تطبيق أداة الجار الأقرب ، فهذه الأداة لا تنتج طبقات ، وإنما تنتج رسالة تتضمن خمس قيم : متوسط المسافة الملاحظة ، متوسط المسافة المتوقعة ، مؤشر الجار الأقرب Nearest Neighbor Index ، الفارق المعياري عن متوسط القيمة z-score ، مستوى المعنوية p-value . وتبين الرسالة أيضا مكان المجلد الذي أرسل إليه التقرير . ومن الرسالة يمكن الاكتفاء بمعرفة النمط المكاني ، كما يمكن الاستفادة منها أكثر من ذلك بإدخال القيم المحسوبة في نماذج أو في برنامج يؤلفه المستخدم داخل البرنامج الأصلي.
فوائد مؤشر الجار الأقرب :-
- متابعة تغير النمط التوزيعي عبر الزمن ، مثلا تغير مراكز العمران ، وهنا لابد من تثبيت المساحة.
- مقارنة توزيع نظري مرغوب فيه مع توزيع فعلي ، مثلا : هل كان تقطيع الأشجار لأغراض تجارية متفقا مع ضمان تجدد هذا المورد ؟
- تقويم شدة المنافسة بين المشروعات التجارية المتشابهة.
المصدر:-
- د.مني سيد حسين (2019): محاضرات في نظم المعلومات الجغرافية 2 ، شعبة خرائط ، جامعة القاهرة.
تعليقات: 0
إرسال تعليق