-->

الفكر الجغرافي الحديث وبنية علم الجغرافية

الفكر الجغرافي الحديث وبنية علم الجغرافية

    الفكر الجغرافي الحديث وبنية علم الجغرافية

    الفكر الجغرافي الحديث وبنية علم الجغرافية

    مقدمة

    لم تعد الجغرافية عبارة عن تصنيف وحذلقة علمية في خدمة التاريخ , مثلما لم تعد مجموعة من معارف عملية وتعداداً مرتباً نوعاً ما لأسماء جبال وأنهار أو مدن حسب أسلوب عفا عليه الزمن , هذا كما لم تعد خليطاً من الأسماء وأرقام شأن التاريخ الذي هو عبارة عن تجمع لتواريخ . فبعد أن اشتد عودها بالتماس مع العلوم الطبيعية , وانتعشت بقصص المستكشفين , وتشجعت تقديم علم الجيولوجيا , راحت تحتل مكانها بين البحوث العلمية ولم تعد بالوصف والجرد فحسب بل أصبحت ترمي الي المحاكمة الي التفسير.

    ما هي المتطلبات الذي خضعت لها الجغرافيا حديثًا

    فبعد أن جابهت الجغرافيا واقتحمت (ألغاز الكون) خضعت لمتطلبات العلم , فقد وجهتها أسباب مختلفة ولكنها متلاقية باتجاه هذا المنحني الجديد : كتقدم علم المصورات "الكارتوجرافيا Cartography" والمساعي التجديدة التي بذلها كل من هامبولت وريتر , والكشوف القارية , وتنظيم تعليم جغرافي جامعي . غير أن هذه العوامل لم تتدخل في أن واحد , كما أن االانطلاق لم يحدث حسب نسق واحد . فقد كان التعرف علي سطح الأرض , معرفية قائمة علي المحاكمة كان بطيئًا وتدريجيًا شأن المراحل الشاقة في اكتشاف الأرض . وهكذا تتفهم تكامل علم الجغرافيا بصورة أفضل , وذلك حسب الطريقة الديكارتية : ( من الممكن ادراك طبيعة الأشياء بصورة أسهل عندما نراها وهي تتولد شيئًا فشيئًا مما لو نظرنا اليها وهي كاملة التكوين).(1)

    الفكر الجغرافي الحديث وبنية علم الجغرافية

    عندما تبلور الفكر الجغرافي الحديث أهدافة و وحمل علم الجغرافية مسئولية هذه الأهداف , انتهي ذلك الي صياغة بنية علم الجغرافي صياغة تصور أكبر قدر من الاستجابة لأهداف الفكر الجغرافي وتطلعاته . 

    ومن المفيد أن نتبين كيف كانت صياغة هذه البنية التي ربما دعت الي وضع الجغرافية في مكان مستقبل بين العلوم الطبيعة والعلوم الانسانية. وصحيح أن بعض المدارس الجغرافية قد وضعت الجغرافية في كليات الاداب مع زمرة العلوم الانسانية وأن بعض المدارس الجغرافية الأخري قد وضعتها في كليات العلوم مع زمرة العلوم الطبيعية, وأن فريق ثالث فضل لها مدرسة مستقلة بين الوجود الاكاديمي للعلوم انساني والعلوم الطبيعية . ولكن المؤكد أن كل هؤلاء قد أدركوا بينيتها متميزة وأن لها مكان ومكانة منفردة بين سائر العلوم. زسعة اطلاع الجغرافي وغزارة مادته وتنوع ثقافته ورصيدة الثقافي وحسن استخدامه نتائج العلوم الطبيعية والانسانية في وقت واحد يحقق هدفة , وربما دعت بعض المجتهدين في مجال تصنيف بنية العلوم الي تصور علم الجغرافية علي اعتبار أنه علم تركيبي بحت : بمعني أنه علم ليس من وراثة أكثر من اجتهاد وخبرة في صياغة التوليفة البارعة والتركيب الجيد الذي ينسق نتائج العلوم الأخري . وصحيح أن الصياغة هذه التوليفة البارعة أو التركيب الجيد , تشهد بمهارة وحنكة وكفاءة الجغرافي , وتعترف بقدرتة علي ان يحسن بنتفاع النتائج العلوم الاخري انتفاعا موضوعياز ولكن المؤكد أن هذا التصور يجسد جانبا من بنية علم الجغرافي , وينكر أو يخفي – بقصد أو من غير قصد – الجانب الاخر  ومع ذلك فكون الجغرافية علما تركيبيا لا يمكن ولا ينبغي أن يقلل من شأنها أو من شأن الاداء الجغرافي .

     ذلك أن حسن صياغة التوليفة البارعة المنسقة تعني مهارة لأنها تستهدف غاية مفيدة , تتمثل من خلال النتائج التي تسفر عنيا هذه الصياغة . وفي كل علم نتوقع ونطلبها , ولكن احدا لا ينبغي أن ينكر الحقيقة اجتهاد الجغرافي وهو يؤلف من هذه النتائج ويبني عليها نتائجا مفيدة . وهذا معناه أن الجغرافي يضيف من حيث انتهي غيره من الباحثين . ومن الطبيعي أن يعتز بهذه الاضافات التي يسفر عنها دوره في صياغة التركيب الجيد . بل انه يجد في التركيب قدرة علي دعم مكانته في المكان الذي تقف فيه الجغرافية بين العلوم الطبيعية والعلوم الانسانية.

    ولكن نتبين الجانب الذي أنكره أو احفاه التصور غير الكامل لبنية علم الجغرافية , ينبغي أن نظل من الزاوية الاخري ونجد كيف يحرص الاجتهاد الجغرافي علي التعليل والربط الموضوعي وعلي تلمس العلاقات . وهذا علامة علي أن الجغرافية علم أن الجغرافيا علم تحليل أيضا . وكيف لا يكون التحليل واردا والاجتهاد لا يكف عن البحث طلبا وتطلعا الي تعميق المعرفة بالظاهرة الجغرافية المعنية راسيا وأفقي , والي تقصي حقيقة الضوابط الحاكمة لها. بل انه اجتهاد لا يكف ولا يفتر وهو يتلمس التعليل أو الربط الذي يعمق التحليل الكاشف عن علاقة الظاهرة الجغرافية بما حولها في المكان . وفي هذا المجال التحليلي , ينبغي أن نشيد بمهارة الاجتهاد الجغرافي وهو يحلل الظاهرة الجغرافية المعنية تاسيسا علي خبرة يظاهرها الرصيد التي يتزود به الجغرافي من خلال استيعاب نتائج العلوم الطبيعية.

    الرؤية الجغرافية عند الباحث الجغرافي

    والعلوم الانسانية . وبنفس القدر من كفاءة في التركيب الجيد وصياغة التوليفة التي تبرهن علي حسن استخدام نتائج العلوم الأخري , تكون كفاءة الجغرافي وهو يحلل الرؤية الجغرافية تحليلا واقعيا علميا . وها معناه أن علم الجغرافية علم تركيبي وتحليلي في وقت واحد . وهو كما قلنا يبدأ من حيث انتهي الباحثين لكي يتم المهمة ويسجل النتائج المتخصصة .

    واجتهاد الباحث الجغرافي , وهو يحلل الظاهرة الجغرافية المعنية ويجرى تشريحا كاشفا للرؤية الجغرافية , أو هو يركب الأوصال ويؤلف الصياغة المركبة التي تجسيد الرؤية الجغرافية , لحساب البحث وتسجيل النتائج الجغرافية المتخصصة , يضع الجغرافية والجغرافي في مكان مرموق بين زمرة الباحثين العلميين . ومن شأن الجغرافية كعلم تركيبي ومن شأن الجغرافية كعلم تحليلي أن تقيم الجسر لحساب العلاقة أول الصلة الموضوعية البناءة بين العلوم الطبيعية والعلوم الأنسانية . وبناء علي ذلك التصور الكاشف لدور الجغرافية واداء الجغرافي الوظيفي ينبغي أن نتبين – بكل الصدق – مكان الجغرافية بين العلوم . ومكانة الجغرافي بين الباحثين وكيف ولماذا لا يكون المكان مناسبا ؟ وكيف ولماذا لا تكون المكانة مرموقة ؟ هذا ويمكن التأكد علي ان الفكر الجغرافي الحديث الذي تبلورت أهدافه واستوي عودة منذ أواخر القرن التاسع عشر , قد افلح تمام عندما وجه الجغرافية لكي تتخذ شكل وسمة وموضوعية العلم التركيبي التحليل في وقت واحد وعندئذ افلح علم الجغرافية في تحمل مسؤليته وهو يؤدي دورة الوظيفي.(2)

    المصادر


    (1) رينية كلوزييه ٬ تعريب عبدالرحمن حميدة ٬ تطور الفكر الجغرافي ٬ دار الفكر ٬ 1982 ٬ دمشق.
    (2) صلاح الدين علي الشامي ٬ الفكر الجغرفي سيرة و مسيرة ٬ منشأة المعارف ٬ د.ت ٬ الاسكندرية .

    شاهد أيضاً

    إرسال تعليق