-->

ثورة التصورات الجغرافية وتطور مناهج البحث الجغرافي

ثورة التصورات الجغرافية وتطور مناهج البحث الجغرافي

    ثورة التصورات الجغرافية وتطور مناهج البحث الجغرافي

    ثورة التصورات الجغرافية وتطور مناهج البحث الجغرافي

    مقدمة

    من علم الجغرافيا كغيرة من فروع المعرفة الأخري بدوامات اهتمام متعددة وتيارات منهجية متعارضة ، وتتمثل المشكلة الأزلية في الجغرافيا في محاولة العثور علي طريقة مقنعة لتنسيق التشويش والاختلاط في مادة الملاحظة التي يعالجها الجغرافيون عادة . واذا كان هذا بصدق علي كثير من الفروع المعرفة ، فأنه في الجغرافيا يستشعر بكشل جد حاد . 

    تطور مناهج البحث الجغرافي

    وقد شهد ربع القرن الأخير أو نحو ذلك مراجعة أساسية لمناهج البحث الجغرافي ، وربما كانت أشد الاتجاهات تأثيرًا في هذه المواجهة تتمثل في اعادة وضع الجغرافية في مكانها الصحيح من المسار الرئيسي للعلم الحديث ، وفي الاحتكاك المتزايد في بغيرها من الفروع المعرفة الأخري ، ورغم أن هذه التغيرات لم تؤثر علي الأهداف العامة للجغرافيا ، فقد كان لها عميق الأثر علي تنظيم المادة الجغرافية . 

    وقد غدت الدراسة الأصولية لهذا التنظيم أو الميتودولوجيا ميدانا أساسيا من ميادين الاهتمام الجغرافي ، ولعل البحوث التي تزخر بها المجلات الجغرافية المتخصصة بخصوص هذا الموضوع هي شاهد عدل علي ذلك . وكانت نتيجة ذلك أنه لم يعد في امكان الدراسات التمهيدية أن تهتم فقط بالحالات الخاصة أو بتاريخ هذا الفرع من فروع المعرفة . وعلاوة علي ذلك فأن الجغرافيين قاطبة أيا كان فرع تخصصهم ، اصبحو يوجهون اهتمام أكبر بأصل تصوراتهم وتطبيقها عرضا عن أدائهم تميزا أكاديمية عن طريق تبرير تجريبي مبني علي مادة عملهم.

    بداية ثورة التصورات الجغرافية

    وقد بدأت حديثا رؤية جديدة متأثرة بما يعرف بالثورة الكمية وأدخلت الطرق الاحصائية في تحليل بهدف بلوغ المستوي المنشود من الموضوعية وحدث تحرك سريع بحثًا عن القوانين ونظريات . والوقائع أن موجات التحسس المنهجية السريعة جنبا الي جنب مع فترات الركود النسبي هي من السمات المميزة لتاريخ أي فرع من فروع المعرفة واليوم وفي ختام ربع قرن من الزمان احتدم خلاله. 
    جدل متصل ، يجب الا يغيب عن بالنا أن الجغرافيا انما تعاني فقط من نتائح احدي الثورات الشديدة . كما تعاني ايضا من الام الخاص المرتبطة بخروج مذهب منهجي جديد الي الوجود . ووسط ضجيج المستحدثات يجب ألا يتبادر الي ذهن أن مايعرف "بالثورة الكمية" سيقضي حتمًا الي منهج جديد تحقق له السيادة التامة أو المنهج مستقل منغلق علي نفسه الي الدرجة التي صورته بها الفلسفة هنتنز – هارتشورن من قبل . 

    ومما لاشك فيه أن اهمال الجغرافيين في الماضي للقضايا الخاصة بنظرية المعرفة قد ترتب عليه احتواء المؤلفات الجغرافية علي قدر كبير من التفسير الخاطئ للقضايا الرئيسية . والاهتمام المتزايد بين الجغرافيين بنظرية المعرفة معناه أن جميع التصورات والأفكار ستكون عرضة لدراسة ومناقشة مستمرتين مع التطورات التي تحدث في مناهج فروع المعرفة القريبة من الجغرافيا . 

    والاتجاهات المنهجية لقدامي الباحثين ينبغي ألا تحدد مستقبل تطور الجغرافيا فالمنهج المتطورة ضرورة الجيوية وضرورة ارتباط الجغرافيا بغيرها من فروع المعرفه هو ضمان لحماية العلم من الاصابة بالعقم . وذلك حتي لا ينغلق علي نفسة ولا يستمر في تكرار ما يقع فيه من أخطاء التفسير .

    وتطبيق المناهج التحليلية في كثير من المشاكل البحث الجغرافي خلال العقدين الأخيرين قد شوهه استخدام تقنيات محدودة الصلة بالجغرافيا ومادة موضوعها، والتركيز علي التقنيات نفسها دون اهتمام كاف بما يمكن أن تسفر . عنه من نتائج ذات قيمة في الجغرافيا يعطي انطباعات متكررة بأن التقنيات تفوق في أهميتها المشاكل المعالجة وهكذا غدت الوسيلة أهم من الهدف وفي هذا مجافاة للمنطق. 

    ولما كان طلابنا غير ملمين بالخلفية اللازمة من الرياضيات والاحصاء فانه عند تقديم أي دراسات تستخدم الأساليب الحديثة يجب علي الكتاب استخدام التعبيرات اللغوية جنبا الي جنب لغة الياضيات بحيث يصبح في وسع غير المتكين من الرياضيات القدرة علي فهم تعقيدات الموقف الذي نحن بصدده بدلا من أن يتخلفوا عن الركب لغزو فهم عن متتابعة التطورات الحديثة في العلم التي تحدث بسرعة مذهلة . 

    مما لاريب فيه أن تمييز فروع المعرفة بعضها عن بعض لا يكون عن طريق تفرد الموضوعات التي تدرسها وانما يكون بالأخري عن طرق الأسئلة التي تطرحاها . ويتكامل التصورات وضرب الرؤية التي يستخدمها الباحثون . فليست هناك حقيقة شاملة مطلقة ، فقد تخلي معظم العلماء عن نظرية المعرفة الأحادية هذه وأصبحوا يؤيدون تصورات نظرية المعرفة الثنائية ومن ثم "فاذا" كانت المعرفة التي لدينا عن أشياء حقيقية ذات مادي معرفة غير مباشرة أو تمثيلية فان المعلومة التي نتوصل اليه بهذه الطريقة عن أي شئ من الأشياء لا تكون مطابقة تماما لذات الشئ اللمعولم فكل معرفة لها عنصران احدهما ذاتي والاخر موضوعي . والجغرافيون كسائر الأكاديميين يواجهون بتعقد العلم فيلاحظون وينتجون ويصنفون وفقا لأهداف وظروف معينة وهكذا فان كل صورة أو فكرة في العالم انما تتركب من جزئها الموضوعي ومن محصلة الخبرة الشخصية للملاحظ وتعلمه وذاكرته . كما أننا كأفراد لايكون ما نتعلمه عن العلم علي نحو سريع عن طريق التركيز علي متغير واحد وانما بالقاء نظرة سطحية عاجلة لتنوع كبير للأشياء . والواقع أن ادراك هذه الأراء والتسليم بها يجعل من الميسور الايمان بالحقيقية التي مؤداها أن ضروب التقدم الرئيسية في العلم لم تتحقق عن طريق ملاحظات أدق . وانتما كانت بالأحري عن طريق الكشف عن أساليب جديدة للتطلع علي الأشياء.

    المصدر

     عيسي علي ابراهيم ٬ محمد الفتحي بكير ٬ الفكر الجغرفي والكشوف الجغرافية ٬ دار المعرفة الجامعية ٬ 1992 ٬ الاسكندرية .

    شاهد أيضاً

    إرسال تعليق